يزعم البعض أن لافرق بين حالات التوتر والإضطراب وبين القلق, ومن أجل أن نصل إلى نتيجة موفقة وعلمية من الضروري أن ندرك العلاقة بينهما, فعلماء النفس يقولون إنه لابد أن تحتوي الحياة على نوع من التوتر المفيد, فالتوتر يمثل الدافع الحقيقي والواقعي لرغبة الفرد في تحقيق التغيير في حياته, وهو في حدوده الدنيا أمر لازم لتطوير حياة الفرد, وهو يمثل الفاصلة ما بين الكينونة والصيرورة, فلكي يخرج الإنسان من بوتقة الكينونة أو الحالة التي هو عليها إلى درجة السمو والكمال هو بحاجة إلى هذا الإضطراب والتوتر لكي يكون عامل دفع له نحو الإرتقاء والصعود, وفي الواقع أن الفرد المقتنع بوضعه لايتقدم بخطوة نحو تطوير نفسه, وأن الشخص الذي لاتثيره ظروف التوتر وحالات الاضطراب هو في الواقع لايطمح بأن يحسن أوضاعه أو يغير أحواله فالطالب بحاجة إلى نوع قليل من القلق حول إمكانية رسوبه في الإمتحان لكي يدفعه ذلك إلى مواصلة الدراسة بجدية, والشاب هو بحاجة إلى نوع قليل من القلق على مستقبله حتى يجدفي دراسته وتعليمه, والموظف بحاجة إلى نوع قليل من القلق على مستقبله ومستقبل أسرته حتى يواصل أعماله الوظيفية بشكل جيد ولكي لايتم فصله من المؤسسة التي يعمل فيها, والسياسي بحاجة إلى نوع قليل من القلق على سمعته أو على مصيره لكي يقدم أفضل الأعمال والخدمات لشعبه, والطبيب بحاجة إلى قليل من القلق على مصير مريضه حتى يقدم أفضل العلاج له..
هذا القلق المفيد قد يتحول إلى مادة مخربة ومدمرة إذا زاد عن حدوده الطبيعية, فالقلق الشديد للطبيب يربكه, والقلق غير المعتاد للطالب يُهبط عزيمته في الدراسته ويُشككه في قدراته وإمكانيات نجاحه, وبدل أن يكون القلق على شكل طاقة تدفع الإنسان نحو الإرتقاء يصبح هو مرضاً يمتص الطاقة الإحتياطية للإنسان ويجره نحو الانحطاط, فالقلق الشديد الذي هو حصيلة الاضطراب والتوتر سيخلق نظاماً سلبياً ومعاكساً في داخل الإنسان،لكن السؤال الذي يتوجه إلى الأذهان هو: ما هو مقدار القلق الذي يمكن إعتباره سلبياً, وفي اية مرحلة يكون فيها مضراً؟
الوقائع التي تحدث في المدن أو البلدان الأ... من الكرة الأرضية قد لاتثير القلق في نفوسنا، لأنها قد تكون بعيدة عن مناطقنا, فالأساس الأول لأن تكون الأحداث مثيرة للقلق والتوتر لدى الأفراد هو أن يشعروا بقربها عنهم, فنحن لانستطيع أن ندرك معنى القلق من خلال مطالعة ذلك عبر الكتاب أو الصحف, بل يمكن أن ندرك ماهية القلق والتوتر عندما نكون وسط الحدث.
وقد تشعر بعض الشعوب العربية ومعظمها لايشعر بالتعاطف مع ما يواجهه العراقيون من حالات الاضطراب والقلق نتيجة الإنفجارات اليومية التي تحدث في الشوارع فهؤلاء لايستطيعون أن يدركوا معنى الاضطراب والقلق الذي يصيب آلاف الأطفال من العراقيين الذين تطرق أسماعهم أصوات القنابل ووسائل القتل الدموي.
الشعوب العربية يجب أن تدخل نفس التجربة التي دخلها الشعب العراقي حتى تدرك هذه الشعوب مستوى الضغوط التي يتعرض لها هذا الشعب الممتحن, ومستويات القلق والاضطراب التي يعايشها كل يوم, وما يمكن أن يفعله صدى إنفجار عبوة ناسفة وسط الشوارع المزدحمة في بغداد في نفوس الأطفال البريئة.
إن علماء النفس يقترحون عدداً من الحلول والمعالجات للحالات الشديدة من الاضطراب والتوتر النفسيين, ولكنهم سيبقون عاجزين عن اقتراح أي شيء للعراقيين ولمن يواجهون أصوات القنابل والسيارات المفخخة والعبوات الناسفة, فهؤلاء المجرمون حولوا مدن الأطفال إلى ساحات للحروب.
يؤكد علماء النفس أن الناس مختلفون من حيث مقاومتهم لحالات التوتر والإضطراب, فمنهم من يمتلك القدرات الهائلة على التحكم بانفعالاتهم تجاه الوقائع وهؤلاء قلّما يصابوا بالقلق والتوتر الشديدين.
وأما الأمر الثاني المتعلق بمستوى التأثر بالوقائع والأحداث هو مدى إلتزام وإيمان الفرد بالقضية التي يعمل من أجلها, فإذا كان مؤمناً بقضية سيكون جاداً بالتضحية في سبيلها, ويتأثر بالأحداث والوقائع حتى لوكان بعيداً عن موقع الحدث, لأنه يعتبر نفسه جزءاً غير بعيد عن الناس الذين تعرضوا للأذى أو للقتل.
والعامل الثالث الذي يتدخل في قضية الشعور بالتوتر والإضطراب والقلق هو عامل التحدي, فإن بعض الناس يعتبرون ما يواجهونه من أوضاع وظروف صعبة هو نوع من الحرب التي يجب أن يقابلونها بالتحدي الأكبر وأن لايستسلموا أمامها.
أجرى الخبراء تجارب على عدد من المدراء الناجحين وتوصلوا إلى أن المدراء الذين نجحوا وتغلبوا على الأزمات التي واجهوها في حياتهم الإدارية هم المدراء الذين إتصفوا بـ(السيطرة, الإيمان, التحدي) وتمكنوا بسهولة من التغلب على مشاكلهم, أما الأشخاص الذين يفقدون السيطرة على أنفسهم ويصابون بالاضطراب سيعجزون حتى عن الاستفادة من مؤهلاتهم وقدراتهم لحل المشكلة وسيفقدون إمكانية الإنسجام مع الأوضاع المحيطة, وهم سيكونون بمثابة الشخص الذي نزع سلاحه في ساحة الحرب وترك خصمه يفعل ما يحلوله من أعمال القتل.
كيف سأعرف بأنني سأخرج موفقاً من الامتحان الذي سأدخل فيه؟ وكيف سأدرك بأني سأكون قادراً على مواجهة الوقائع والأحداث المختلفة؟!
لابد أن تزج في إمتحان ما لكي تعرف مقدار ما تملك من عناصر قوة في شخصيتك، ولنفترض أنك عدت إلى المنزل ووجدت جهاز الهاتف معطلاً أو مكسوراً عندها ستحاول تقدير المبلغ لإصلاحه والذي قد يتطلب مثلاً خمسة آلاف دينار وهنا يأتي السؤال: ماذا سيترك عليك هذا المبلغ من أثر: إيجابي أم سلبي؟ هذا بالطبع يعتمد على وضعك المالي فإذا كان هذا المبلغ بالنسبة إليك مبلغاً كبيراً وهائلاً فإنه بالتأكيد سيحدث لك نوعاً من التوتر والإضطراب, إذن.. فالقلق والإضطراب والتوتر تنبع من عوامل خارجية لكنها ذات تأثيرات داخلية على الإنسان.. وإلا فإن الأحداث الخارجية هي ليست ذات معنى بحد ذاتها وإنما يتم تفسيرها وتحليلها في داخلنا, ويعتقد بعض المفكرين بأنه حتى الأديان والعقائد والمذاهب هي خاضعة لتفسير الإنسان, فإذا كان باطن الإنسان نقياً أخذ الوجهة الحسنة من الدين, وإن كان باطنه سيئاً ومريضاً فإنه سيتلاعب حتى بالدين الصحيح ويبيح قتل الأبرياء والأطفال.
وكلما كانت تقييماتنا لأنفسنا وللحياة صحيحة وإيجابية, فإننا سنتمكن من مواجهة عناصر الضعف في داخلنا, ونواجه ظروف الحياة الصعبة بروح مفعمة بالحيوية والنشاط والرسوخ.
مانشيت:
المدراء الذين نجحوا وتغلبوا على الأزمات التي واجهوها في حياتهم الإدارية هم المدراء الذين إتصفوا بـ(السيطرة, الإيمان, التحدي) وتمكنوا بسهولة من التغلب على مشاكلهم, أما الأشخاص الذين يفقدون السيطرة على أنفسهم ويصابون بالاضطراب سيعجزون حتى عن الاستفادة من مؤهلاتهم وقدراتهم