الاستشراق
التعريف :
الاستشراق تعبير يدل على الاتجاه نحو الشرق ، ويطلق على كل ما يبحث في أمور الشرقيين وثقافتهم وتاريخهم . ويقصد به ذلك التيار الفكري الذي يتمثل في إجراء الدراسات المختلفة عن الشرق الإسلامي ، والتي تشمل حضارته وأديانه وآدابه ولغاته وثقافته . ولقد أسهم هذا التيار في صياغة التصورات الغربية عن الشرق عامة وعن العالم الإسلامي بصورة خاصة ، معبرا عن الخلفية الفمحترمية للصراع الحضاري بينهما .
التأسيس وأبرز الشخصيات :
- البدايات :
- من الصعب تحديد بداية للاستشراق ، إذ أن بعض المؤرخين يعودون به إلى أيام الدولة الإسلامية في الأندلس ، في حين يعود به آخرون إلى أيام الصليبيين ، بينما يرجعه كثيرون إلى أيام الدولة الأموية في القرن الثاني الهجري . وأنه نشط في الشام بواسطة الراهب يوحنا الدمشقي في كتابين الأول : حياة محمد . والثاني : حوار بين مسيحي ومسلم . وكان هدفه إرشاد النصارى في جدل المسلمين . وأيا كان الأمر فإن حركة الاستشراق قد انطلقت بباعث ديني يستهدف خدمة الاستعمار وتسهيل عمله ونشر المسيحية .
- وقد بدأ الاستشراق اللاهوتي بشكل رسمي حين صدور قرار مجمع فيينا الكنسي عام 1312م وذلك بإنشاء عدد من محترماسي اللغة العربية في عدد من الجامعات الأوروبية .
- لم يظهر مفهوم الاستشراق في أوروبا إلا مع نهاية القرن الثامن عشر ، فقد ظهر أولا في إنجلترا عام 1779م ، وفي فرنسا عام 1799م كما ادرج في قاموس الأكاديمية الفرنسية عام 1838م .
- وقد اهتم عدد من المستشرقين اهتماما حقيقيا بالحضارة الإسلامية وحاول أن يتعامل معها بموضوعية . وقد نجح عدد قليل منهم في هذا المجال . ولكن حتى هؤلاء الذين حاولوا أن ينصفوا الإسلام وكتابه ورسوله صلى الله عليه وسلم لم يستطيعوا أن ينفكوا من تأثير ثقافاتهم وعقائدهم فصدر منهم ما لا يقبله المسلم . وهذا يعني أن أي تصنيف للمستشرقين إلى منصفين ومتعصبين هو أمر تختلف حوله الآراء . فقد يصدر ممن عرف عن الاعتدال قولا أو رأيا مرفوضا ، وقد يحصل العكس فتكون بعض آراء المتعصبين إنصافا جميلا للإسلام ، ولهذا نتوقع أن تكون بعض الأسماء التي شملها تصنيفنا الآتي محل نظر .
- الأفكار والمعتقدات :
· أهداف الاستشراق
- الهدف الديني :
كان هذا الهدف وراء نشأة الاستشراق ، وقد صاحبه خلال مراحله الطويلة ، وهو يتمثل في :
1) التشكيك في صحة رسالة النبي صلى الله عليه وسلم ، والزعم بأن الحديث النبوي إنما هو من عمل المسلمين خلال القرون الثلاثة الأولى ، والهدف الخبيث من وراء ذلك هو محاربة السنة بهدف إسقاطها حتى يفقد المسلمون الصورة التطبيقية الحقيقية لأحكام الإسلام ولحياة الرسول صلى الله عليه وسلم ، وبذلك يفقد الإسلام أكبر عناصر قوته .
2) التشكيك في صحة القرآن والطعن فيه ، حتى ينصرف المسلمون عن الاتقاء على هدف واحد يجمعهم ويكون مصدر قوته وتنأى بهم اللهجات القومية عن الوحي باعتباره المصدر الأساسي لهذا الدين (تنـزيل من حكيم حميد) .
3) التقليل من قيمة الفقه الإسلامي واعتباره مستمدا من الفقه الروماني .
4) النيل من اللغة العربية واستبعاد قدرتها على مسايرة ركب التطور وتمحترميس دراسة اللهجات لتحل محل العربية الفصحى .
5) إرجاع الإسلام إلى مصادر يهودية ونصرانية بدلا من إرجاع التشابه بين الإسلام وهاتين الديانتين إلى وحدة المصدر .
6) العمل على تنصير المسلمين .
7) الاعتماد على الأحاديث الضعيفة والأخبار الموضوعة في سبيل تدعيم آرائهم وبناء نظرياتهم .
لقد كان الهدف الاستراتيجي الديني من حملة التشويه ضد الإسلام هو حماية أوروبا من قبول الإسلام بعد أن عجزت عن القضاء عليه من خلال الحروب الصليبية .
- الهدف التجاري :
لقد كانت المؤسسات والشركات الكبرى ، والملوك كذلك ، يدفعون المال الوفير للباحثين ، من أجل معرفة البلاد الإسلامية وكتابة تقارير عنها ، وقد كان ذلك جليا في عصر ما قبل الاستعمار الغربي للعالم الإسلامي في القرنين التاسع والعشرين .
- الهدف السياسي يهدف إلى :
1) إضعاف روح الإخاء بين المسلمين والعمل على فرقتهم لإحكام السيطرة عليهم .
2) العناية باللهجات العامية ودراسة العادات السائدة لتمزيق وحدة المجتمعات المسلمة .
3) كانوا يوجهون موظفيهم في هذه المستعمرات إلى تعلم لغات تلك البلاد ودراسة آدابها ودينها ليعرفوا كيف يسوسونها ويحكمونها .
4) في كثير من الأحيان كان المستشرقون ملحقين بأجهزة الاستخبارات لسبر غور حالة المسلمين وتقديم النصائح لما ينبغي أن يفعلوه لمقاومة حركات البعث الإسلامي .
- الهدف العلمي الخالص :
بعضهم اتجه إلى البحث والتمحيص لمعرفة الحقيقة خالصة ، وقد وصل بعض هؤلاء إلى الإسلام ودخل فيه ، نذمحترم منهم :
1) توماس أرنولد الذي أنصف المسلمين في كتابه الدعوة إلى الإسلام .
2) المستشرق الفرنسي رينيه فقد أسلم وعاش في الجزائر وله كتاب أشعة خاصة بنور الإسلام مات في فرنسا لكنه دفن في الجزائر .
· أهم المؤلفات :
- تاريخ الأدب العربي : كارل بروكلمان ت1956م .
· المؤتمرات والجمعيات :
- عقد أول مؤتمر دولي للمستشرقين في باريس سنة 1873م .
- تتابعت المؤتمرات بعد ذلك حتى بلغت أكثر من ثلاثين مؤتمرا دوليا ، فضلا عن الندوات واللقاءات الإقليمية الكثيرة الخاصة بكل دولة من الدول كمؤتمر المستشرقين الألمان الذي عقد في مدينة درسدن بألمانيا عام 1849م ، وما تزال تنعقد مثل هذه المؤتمرات باستمرار حتى الآن .
- يحضر هذه المؤتمرات مئات من العلماء المستشرقين ، حيث حضر مؤتمر أكسفورد تسعمائة (900) عالم من خمس وعشرين دولة وثمانين جامعة وتسع وستين جمعية علمية .
- هناك العديد من الجمعيات الاستشراقية كالجمعية الآسيوية في باريس تأسست عام 1822م ، والجمعية الملكية الآسيوية في بريطانيا وإيرلندا عام 1823م ، والجمعية الشرقية الأمريكية عام 1842م والجمعية الشرقية الألمانية عام 1845م .
· · الاستشراق في خدمة الاستعمار :
- كارل هنيريش بيمحترم ت1933م مؤسس مجلة الإسلام الألمانية ، قام بدراسات تخدم الأهداف الاستعمارية في أفريقيا .
- بار تولد لآشقفاخمي ت 1930م مؤسس مجلة عالم الإسلام الروسية ، قام ببحوث تخدم مصالح السيادة الروسية في آسيا الوسطى .
- الهولندي سنوك هرجرونجه 1857-1936م قدم إلى مكة عام 1884م تحت اسم عبد الغفار ، ومكث مدة نصف عام ، وعاد ليكتب تقارير تخدم الاستعمار في المشرق الإسلامي ، وقد سبق له أن أقام في جاوه مدة 17 سنة ، وقد صدرت الصور التي أخذها لمكة والأماكن المقدسة في كتاب بمناسبة مرور مائة سنة على تصويرها .
- معهد اللغات الشرقية بباريس المؤسس عام 1885م كانت مهمته الحصول على معلومات عن البلدان الشرقية وبلدان الشرق الأقصى مما يكل أرضية تسهل عملية الاستعمار في تلك المناطق .
- وهكذا نرى أن مثل هؤلاء المستشرقين جزء من مخطط كبير هو المخطط الصهيوني الصليبي لمحاربة الإسلام ، ولا نستطيع أن نفهمهم على حقيقتهم إلا عندما نراهم في إطار ذلك المخطط الذي يهدف إلى تخريج أجيال لا تعرف الإسلام أو لا تعرف من الإسلام إلا الشبهات ، وقد تم انتقاء أفراد من هذه الأجيال لتتبوأ أعلى المناصب ومراكز القيادة والتوجيه لتستمر في خدمة الاستعمار .
· آراء استشراقية خطرة :
- جورج سيل زعم في مقدمة ترجمته لمعاني القرآن 1736م ، أن القرآن إنما هو من اختراع محمد ومن تأليفه وأن ذلك أمر لا يقبل الجدل .
- ريتشارد بل يزعم بأن النبي محمدا صلى الله عليه وسلم قد استمد القرآن من مصادر يهودية ومن العهد القديم بشكل خاص ، وكذلك من مصادر نصرانية .
- دوزي ت 1883م : يزعم أن القرآن المحترميم ذو ذوق رديء للغاية ولا جديد فيه إلا القليل ، كما يزعم أن فيه إطنابا بالغا ومملا إلى حد بعيد .
- جاء في تقرير وزير المستعمرات البريطاني أومسبي غو لرئيس حكومته بتاريخ 9 يناير 1938م : أن الحرب علمتنا أن الوحدة الإسلامية هي الخطر الأعظم الذي ينبغي على الامبراطورية أن تحذره وتحاربه ، وليس الامبراطورية وحدها بل فرنسا أيضا ، ولفرحتنا فقد ذهبت الخلافة وأتمنى أن تكون إلى غير رجعة .
- يقول شيلدون آموس : إن الشرع المحمدي ليس إلا القانون الروماني للامبراطورية الشرقية معدلا وفق الأحوال السياسية في الممتلكات العربية ، ويقول كذلك : إن القانون المحمدي ليس سوى قانون جستنيان في لباس عربي .
- قال رينان الفرنسي : إن الفلسفة العربية هي الفلسفة اليونانية مكتوبة بأحرف عربية .
- أما لويس ماسينيون فقد كان زعيم الحركة الرامية إلى الكتابة في العامية وبالحرف اللاتيني .
- مما لا شك فيه أن للمستشرقين فضلا كبيرا في إخراج الكثير من كتب التراث ونشرها محققة مفهرسة مبوبة .
- ولا شك أن الكثير منهم يملكون منهجية علمية تعينهم على البحث .
- ولا ريب في أن لدى بعضهم صبرا ودأبا وجلدا في التحقيق والتمحيص وتتبع المسائل .
- وما على المسلم إلا أن يلتقط الخير من مؤلفاتهم متنها إلى مواطن الدس والتحريف ليتجنبها أو ليكشفها أو ليرد عليها لأن الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق الناس بها ، خاصة وأن الفمحترم الاستشراقي المعاصر قد بدأ يغير من أساليبه وقسماته من أجل المحافظة على الصداقة والتعاون بين العالم الغربي والعالم الإسلامي وإقامة حوار بين المسيحية والإسلام ، ومحاولة تغيير النظرة السطحية الغربية إلى المسلمين ، وربما كمحاولة لاستقطاب القوى الإسلامية وتوظيفها لخدمة أهدافهم فلنكن حذرين .
الجذور الفمحترمية والعقائدية :
· لقد كان الاستشراق وليد الاحتكاك بين الشرق الإسلامي والغرب النصراني أيام الصليبيين ، وعن طريق السفارات والرحلات ويلاحظ دائما أن هناك تقاربا وتعاونا بين الثالوث المدمر : التنصير والاستشراق والاستعمار ، والمستعمرون يساندون المستشرقين والمنصرين لأنهم يستفيدون منهم كثيرا في خططهم الاستعمارية .
· كان الدافع الأساسي هو الجانب اللاهوتي النصراني بغية تحطيم الإسلام من داخله بالدس والكيد والتشويه ، ولكن الاستشراق بعد ذلك وفي الآونة الأخيرة بدأ يتحلل من هذا القيد نوعا ما ليتوجه توجها أقرب إلى الروح العلمية .