أيها الإخوة الكرام : الحقيقة الثانية في موضوع السحرة ، وقبل الشرح لابد من لفت نظر الإخوة الكرام إلى أن شريحة من المسلمين كبيرة جداً تتعامل مع المشعوذين ، وتعلق عليهم الآمال ، وترجو عندهم النوال ، وترجو من خلال سحرهم أو شعوذتهم عطاء الدنيا ، وتخشى من غضبهم الأذى والضر ، وهذه العقائد ما أنزل الله بها من سلطان ، نحن معنا وحي السماء ، حينما يقول الله عز وجل :
[ سورة إبراهيم : الآية 22]
الحقيقة التي بينتها في الدرس الماضي هو أن الإنسان حينما يعصي ربه ، وحينما يقصر في عباداته ، وحينما يرتكب الحرام يسلط الله عليه الجن ، فيسومونه سوء العذاب ، فظلمة الجن تنال ظلمة الإنس ، بدليل قوله تعالى :
[ سورة الأنعام : الآية 129]
وتكاد تكون هذه الآية أصلاً في علاقة الجن بالإنس ، الحقيقة الأولى أن الجن ليس لهم سلطان على الذين آمنوا ، قال تعالى :
[سورة الحجر : الآية 42]
الحقيقة الثانية ، وهي محور هذا الدرس أن السحرة كذبة ، الدليل : يقول الله عز وجل :
[سورة الصافات ]
قبل بعثة النبي عليه الصلاة والسلام كان الجن يصعدون إلى السماء ، ويسترقون السمع ، يعني بالضبط اجتماع مجلس وزراء ، وثمة مستخدم يقدم لهم بعض المشروبات ، القهوة ، والشاي ، في أثناء دخوله سمع أن الساعة سوف تقدم ، لأول مرة لقط هذه الفكرة ، وخرج ، وقال : أنا أعلم الغيب ، صار تداول بهذا المجلس ، قال : سوف ترون بعد أسبوعين كيف أن الساعة سوف تقدم ، هذا المستخدم ماذا فعل ؟ استرق السمع ، وتبجح عند أقرانه أنه يعلم الغيب ، كانت الشياطين قبل بعثة النبي عليه الصلاة والسلام يسترقون الأخبار ، وينقلونها من شيطان إلى شيطان ، من جني إلى جني ، إلى أن تصل هذا الأخبار إلى قرنائهم من الأنس، فقد يأخذون خبراً ، ويضيفون عليه مئة خبر كاذب ، بعض الإذاعات الآن تذيع مئة خبر صادق وخبرًا كاذبًا ، الخبر الكاذب يسري في أسماعنا ، ونصدقه ، ولا نشعر ، لأن مئة خبر صادقة ، الجن بالعكس مئة خبر كاذب على خبر صادق واحد .
فلذلك أيها الإخوة الكرام : بعد بعثة النبي عليه الصلاة والسلام كما ذكر الله عز وجل في القرآن الكريم منع الجن من استراق السمع ، قال تعالى :
[ سورة فصلت : الآية 12]
[ سورة الحجر ]سورة الملك ]
إذاً هذه الآيات تؤكد أن الجن قبل بعثة النبي كانوا يسترقون السمع ، وكان كل جني أو كل شيطان يعطي هذا الخبر لقرينه إلى أن يصل هذا الخبر إلى قرين الجن من الإنس يتاجر به ، ويضيف عليه مئة خبر كاذب .
وذكرت لكم في الأسبوع السابق قصةً ، وكيف أن جزءاً منها كان صحيحاً ، وأن بقية الأجزاء كانت كاذبة ، أخرج الإمام البخاري ومسلم والترمذي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : (( انْطَلَقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ عَامِدِينَ إِلَى سُوقِ عُكَاظٍ ، وَقَدْ حِيلَ بَيْنَ الشَّيَاطِينِ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ ، وَأُرْسِلَتْ عَلَيْهِمْ الشُّهُبُ ، فَرَجَعَتْ الشَّيَاطِينُ إِلَى قَوْمِهِمْ فَقَالُوا : مَا لَكُمْ ؟ فَقَالُوا : حِيلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ ، وَأُرْسِلَتْ عَلَيْنَا الشُّهُبُ ، قَالُوا : مَا حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ إِلَّا شَيْءٌ حَدَثَ ، فَاضْرِبُوا مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا ، فَانْظُرُوا مَا هَذَا الَّذِي حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ ؟ فَانْصَرَفَ أُولَئِكَ الَّذِينَ تَوَجَّهُوا نَحْوَ تِهَامَةَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَهُوَ بِنَخْلَةَ عَامِدِينَ إِلَى سُوقِ عُكَاظٍ ، وَهُوَ يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ صَلَاةَ الْفَجْرِ ، فَلَمَّا سَمِعُوا الْقُرْآنَ اسْتَمَعُوا لَهُ فَقَالُوا : هَذَا وَاللَّهِ الَّذِي حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ ، فَهُنَالِكَ حِينَ رَجَعُوا إِلَى قَوْمِهِمْ ، وَقَالُوا : يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ ، وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنْ الْجِنِّ وَإِنَّمَا أُوحِيَ إِلَيْهِ قَوْلُ الْجِنِّ )).
[البخاري ومسلم والترمذي ]
ولشيء الثابت أن الجن أعظم قدرة من الإنس على اختراق المسافات ، فلما قال الله عز وجل:
[ سورة الرحمن : الآية 33]
بدأ بالجن ، لأنهم أقدر اختراق المسافات ، وحينما قال تعالى :
[سورة الإسراء : الآية 88]
منى ذلك أن الله سبحانه وتعالى قدم الجن في مجال اختراق المسافات ، وقدم الإنس في مجال اللغة والبلاغة .
(( ... فَاضْرِبُوا مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا ، فَانْظُرُوا مَا هَذَا الَّذِي حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ ؟ فَانْصَرَفَ أُولَئِكَ الَّذِينَ تَوَجَّهُوا نَحْوَ تِهَامَةَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَهُوَ بِنَخْلَةَ عَامِدِينَ إِلَى سُوقِ عُكَاظٍ ، وَهُوَ يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ صَلَاةَ الْفَجْرِ ، فَلَمَّا سَمِعُوا الْقُرْآنَ اسْتَمَعُوا لَهُ ، فَقَالُوا : هَذَا وَاللَّهِ الَّذِي حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ ، فَهُنَالِكَ حِينَ رَجَعُوا إِلَى قَوْمِهِمْ ، وَقَالُوا : يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ ، وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنْ الْجِنِّ ، وَإِنَّمَا أُوحِيَ إِلَيْهِ قَوْلُ الْجِنِّ ))
الأصل أن الجن قبل بعثة النبي عليه الصلاة والسلام كانوا يسترقون الأخبار من السماء ، وينقلونها فيما بينهم ، إلى أن تصل إلى قرين الجن من الإنس ، فكان يأتي بالخبر ، ويضيف عليه مئة خبر كاذب ، كي يروج سحره ودجله وإضلاله على الناس .
أيها الإخوة الكرام : هؤلاء الشياطين ما عادوا يحظون اليوم بخبر السماء كما كانوا قبل بعثة النبي عليه الصلاة والسلام ، ولعل الحكمة أن هذه البعثة العظيمة ، وأن هذا القرآن المجيد من عناية الله به أنه منع الجن من استراق الخبر من السماء ، لذلك حينما يلتقط الجني خبرًا يلقيه إلى كل من تحته ، وهم ينقلونه إلى من تحتهم حتى يلقوه على لسان ساحر أو كاهن، فلا يكتفي الساحر بهذا الخبر البسيط ، بل يزيد معه مئة كذبة ، أو أكثر لتصلح تجارته بين جهال الناس .
السحرة والمشعوذون والكهان والعرافون لا تسري بضاعتهم إلا عند الجهلة .
تروى قصة حديثة ، جاءوا بمسجلة ، ووضعوها في صندوق بريد ، فإذا مرّ إنسان أمام الصندوق يستمع استغاثة ، يا أخي خلصني من هذا الصندوق ، لا أحتمل ، فيمتحنون ذكاء الناس من رد الفعل ، إذا كان أفقُ الإنسان ضيقًا ، يقول : معه حق ، صندوق حجمه صغير جداً ، كيف يجلس بداخله ، أما إذا كان الإنسان ذكيًّا فإنه يبحث عن شريط يصل من الصندوق إلى مكان بعيد ، يبدو طبعاً أنه توجد مسجلة ، فكلما كان أفق الإنسان ضيقًا ومحدودًا يصدق الخرافات ، و الخرافات لا تنطوي إلا على الجهلة ، والدجالون والمشعوذون والعرافون والكهان يستخدمون الدجل ، لأن بضاعتهم هذه لا تروج إلا عند الجهال ، هم يأخذون أموالهم ، وفي الأعم الأغلب يعتدون على أعراضهم ، ويهيمنون على بقية الناس ، أما المهمة المعلنة فهي حلّ مشاكلهم ، التوفيق بين الزواج ، أن يكثر الرزق ، أن تذلّل بعض العقبات .
حدثني أخ شخص مشعوذ أنه يطلب خمسة آلاف ليرة على نية أن ينجح الإنسان في امتحان قيادة السيارة ، وكلهم يعرفهم ، وهم أصحابه ، ماذا يفعل ؟ إذا نجح هذا الإنسان بحكم أنه يتقن القيادة يتوهم أن الخمسة آلاف التي قدمها للدجال سبب نجاحه ، وإذا ما نجح يأتي إليه، ويقول : معك حق ، الضابط كان في غير دوامه ، هذه الخمسة آلاف لك ، لا يخلي عليه، هو لطيف ، فإذا نجح بقدرته الذاتية يوهمه أن هذا النجاح بسبب الخمسة آلاف ، وإذا ما نجح يقول له : الشخص الذي أنا متفق معه ما كان دوره اليوم ، هذه الخمسة آلاف ، تفضل ، هناك دجل في البلد لا يوصف ، لكن هذا الدجل الذي يصل إلى سمعي من خلال إخواننا الكرام ، طبعاً أنا واثق بكم ثقة كبيرة جداً ، أن أحدكم لن تنطلي عليه هذه الخرافات ، ولكن هذا الدرس هدفه أن ينقلب إلى شريط ، وهدفه الآخر أن الذين حولكم ممن يلوذ بكم ينبغي أن تعرفوهم قضية الشعوذة والدجل والعرافة الكهانة ، طبعاً الشكل شيخ ، وهنا المشكلة ، ما ترى شخصاً تقول له : أنت مشعوذ ، بلفة خضراء ، وعنده بخور ، وعنده مسك ، وله كلمات ، ويتكلم بالقرآن ، المشكلة في الدجال أنه يكذب على الناس ، يأخذ صفة شيخ ، وصفة إنسان وقور ، وصفة إنسان له صلة بالله ، ولا يستخدم إلا القرآن ، وله خلوة مع الله عز وجل .
قال ملِك بلغه أن هناك نصّابًا كبيرًا ، قال : أحضروه ، قال له : كيف تنصب على الناس ؟ قال : يا سيدي تحتاج إلى عدّة ، كم العدة ؟ قال : مبلغاً ضخماً ، قال : أعطوه ، فذهب ولم يعُد ، قال : أين النصاب ؟ قالوا : نصب عليك يا سيدي ، وانتهى ز
في النائبات ـ دققوا الآن ـ كان عليه الصلاة والسلام إذا حزبه أمر بادر إلى الصلاة، حينما تعتقد أن جهةً في الأرض كائنة من كانت يمكن أن تنقذك من ورطتك فأنت مشرك ، فإنه ما نزل بلاء إلا بذنب ، ولا يرفع إلا بتوبة ، قال تعالى :
كرامة له يفرح فيها ، هذه جيدة ، تقوي مركزنا ، أما إذا كان مخلصًا